نظام الخلافة في الإسلام.. نظام روحي

نظام الخلافة في الإسلام.. نظام روحي

فضل يونس عودة

  • نوعي الخلافة الربانية
  • الخلافة الراشدة
  • شروط الخلافة
  • كيف يختار الله الخليفة؟
  • الخلافة الإسلامية الأحمدية

__

لا شك أن موضوع الخلافة في الإسلام، موضوع واسع وهام، وسوف أتطرق في كلمتي هذه إلى أحد جوانبه المتعددة ألا وهو – نظام الخلافة في الإسلام – نظام روحي.

وبما أن هذا الموضوع على جانب كبير من الأهمية، فمن الضروري لنا أن نفهم كيف يختار الله الخليفة وخاصة نحن أفراد الجماعة الإسـلامية الأحمـدية، لأن الخلافة على منهاج النبوة قد أعيد تأسيسها في جماعتنا المباركة، بعد أن بعث الله تعالى في هذا العصر سيدنا أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود عليه الصلاة والسلام.

ومما يؤسف له أن الكثيرين ممن دخلوا الإسلام في عهد الخلافة الأولى بعد وفاة سيدنا محمد لم يدركوا أن الله تعالى هو الذي يختار الخليفة، وبسبب جهلهم هذا ثاروا على الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان وكذلك الخليفة الرابع سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه اللذينِ قُتلا بأيدي المسلمين، وبسبب ذلك فقد رفع الله تعالى عنهم نعمة الخلافة على منهاج النبوة. وبذلك انتهت هذه الخلافة الراشدة الأولى. ولو أنهم فهموا حقيقة مقام الخلافة وأدركوا أن الله تعالى هو الذي يختار الخليفة لما تجرأوا على ذلك، مما وضع نهاية مأساوية لحياة الخليفة الثالث والرابع رضي الله عنهما وأصاب وحدة المسلمين بشرخ ظل يزداد عمقا واتساعا حتى يومنا هذا.

أما النوع الثاني فهو الخلافة الربانية غير المباشرة. وهي الخلافة التي يختار الله تعالى فيها الخليفة بطريق غير مباشر ويُطلق على هذه الخلافة في الإسلام اسم “الخلافة الراشدة”…

كل من يتدبر ويتعمق في أمور الدين الحنيف يعرف أن هناك نوعين من الخلافة – الخلافة الربانية المباشرة التي بموجبها يختار الله تعالى الخليفة مباشرة. وهذا الخليفة ينسب إلى الله تعالى فيقال إنه خليفة الله. وبناء على ذلك فإن كل نبي أو رسول هو في واقع الأمر خليفة الله، أي أن النبوة هي في حقيقتها خلافة ربانية مباشرة يختار الله تعالى فيها الخليفة (أي النبي) بطريق مباشر دون أن يشترك أحد من الناس في عملية الاختيار هذه لقوله تعالى

  وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ للْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة: 31)

وكذلك

  يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ (ص:27)

 أي إن اختيار النبي أو الرسول يتم بموجب صفة الله “الرحمانية” حيث تكون الحاجة لوجود ذلك النبي لهداية الناس بعد أن تمتلئ الأرض ظلما وجورا فيختار الله تعالى نبيا ليملأها قسطا وعدلا فيتجلى بطبيعته الرحمانية ويرسل ذلك النبي ليخرجهم من الظلمات إلى النور. وبهذا فهو يختار النبي أو الرسول اختيارا مباشرا من خلال هذه الصفة الربانية.

أما النوع الثاني فهو الخلافة الربانية غير المباشرة. وهي الخلافة التي يختار الله تعالى فيها الخليفة بطريق غير مباشر ويُطلق على هذه الخلافة في الإسلام اسم “الخلافة الراشدة ” وهي الخلافة التي تلي بعثة النبي أو الرسول ولذلك فهي تنسب إلى ذلك النبي أو الرسول فيقال عن الخليفة إنه “خليفة النبي” أو “خليفة الرسـول” أو “خليـفة المسيح”.

وسأتطرق في كلمتي هذه عن هذا النوع من الخلافة البشرية (أي التي يشارك فيها البشر) وغير المباشرة في الوقت نفسه. وقد وصف سيدنا محمد هذه الخلافة بأنها “خلافة على منهاج النبوة” حيث قال حضرته : “إنه لم تكن من نبوة إلا وتبعتها خلافة”. فبعد أن يقوم النبي بمهمته ويؤسس جماعة المؤمنين ثم ينتقل إلى الرفيق الأعلى، فإن الله تعالى يتجلى على هؤلاء المؤمنين بصفته الرحيمية ويختار لهم الخليفة كما جاء في آية الاستخلاف :

وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَـاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون (النور: 56).

وهكذا فلا بد من أن يحقق الله وعده على لسان نبيه الكريم لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهذان شـرطان من الواجـب توافرهما لكي يقيم الله تعالى الخلافة الربانية غير المباشـرة حسب الآية الكريمة المذكورة.

بما أن نظام الخلافة مكمِّل لنظام النبوة وتتمة له، فقد جعل الله قيامه بيده، كما هو الأمر بالنسبة لأمر النبوة، وذلك كي يتولى منصب الخلافة من يكون في علم الله سبحانه وتعالى هو الأصلح والأجدر لحمل هذه الأمانة من الناس الموجودين وقت الانتخاب.

وذلك لأن الخلافة من أسمى النعم الإلهية فلا يجوز أن ينشأ السؤال عن عزل الخليفة بأي شكل من الأشكال وليس من حق أحد من العباد إبطال وظيفة الخليفة، وكأنهم بذلك يلغون مشيئة الله تعالى في هذا الأمر الهام.

وبما أن الله تعالى هو الذي يختار الخليفة بطريق غير مباشر، عن طريق هؤلاء الناس الذين يبدو أنهم ينتخبون الخليفة، فالسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن أن يكون الله تعالى هو الذي يختار الخليفة مع أن ظاهر الأمر يقول إن هؤلاء الناس المجتمعين هم الذين يختارونه.

وللإجابة على هذا السؤال نقول، إن هناك بعض الأعمال التي يقوم بها الإنسان ولكن نتائج هذه الأعمال تكون من فعل الله تعالى، كما أن هناك أعمالا يقوم بها الله تعالى ولكنها تتجلى وتظهر على أيدي الناس. ففي حالة اختيار الخليفة فإن الله تعالى هو الذي يقوم بالاختيار، وأن الإنسان الذي يدلي بصوته إنما يفعل ذلك تنفيذا لإرادة الله تعالى.

وقد وضع الله سبحانه وتعالى نظاما خاصا يقتضي حدوث عدة أمور أهمها أولا: أن يأتي نبي مبعوثا من الله تعالى لأن الخلافة على منهاج النبوة (كما سبق ذكره) لا تقوم إلا بعد بعثة نبي حيث يتولى هذا النبي إنشاء جماعة المؤمنين التي تقوم على الإيمان الصحيح والأعمال الصالحة.

ثانيا: أن لا يقوم الإختيار على أن يرشح أحد نفسه لمقام الخلافة، لأن من يرشح نفسه لمنصب الخلافة يرى نفسه أفضل من غيره لشغل هذا المنصب، كذلك يجب أن لا يتنافس أحد مع غيره للحصول على هذا المنصب، لأن من يتنافس مع غيره للحصول على أصوات الناخبين ويستخدم أسلوب الدعاية لنفسه كأنه يقول في واقع الأمر “إنتخبوني أنا ولا تنتخبوا الشخص الآخر فأنا خير منه”.

ثالثا: أن يسأل الله تعالى أن يتولى بنفسه اختيار الخليفة وذلك حسب دعائه عز وجل بعد توافر صدق الإيمان والأعمال الصالحة بالإستجابة له فهو سبحانه الذي قال:

  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة: 187).

فإذا قام الإنسان بكل الخطوات الواجبة التي لا بد من اتخاذها فإن الله تعالى يتفضل عليه ويقوم باختيار الخليفة بعد أن يجعل الله للمؤمنين أيضا نصيبا في انتخابه لكي يجدوا في صدورهم انشراح وانبـساطا في مؤازرتـه  والامـتثال لأوامره. وهكذا فمع أن انتخاب الخليفة يتم من قبل جماعة المؤمنين إلا أنه يمتاز بصبغة روحية خاصة، ذلك أن الله سبحانه وتعالى مالك القلوب هو الذي يوجه بعنايته قلوب الناس نحو الشخص الأنسب لهذا المنصب الرفيع بحيث تأتي نتائج الانتخاب متفقة مع مشيئته وإرادته سبحانه وتعالى.

وهذه الصبغة الروحية للخلافة ليس من السهل إدراكها أو فهمها لكن المسلمين الأوائل على ما يبدو كانوا على وعي من هذه الناحية وقد أدركوا أن الخلافة الحقة هي من صنع الله تعالى لا من صنع البشر. ومما لا شك فيه أن شعور الخليفة بأن العناية الإلهية تحرسه وترعاه فذلك من شأنه أن يزيد من ثقته بنفسه ويقوي عزيمته لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة، كما أن ذلك الشعور يزيد من خشيته وخوفه من الله تعالى فيجعل خشية الله نصب عينيه حين قيامه بواجباته نحو جماعة المؤمنين. وكذلك بالنسبة للمؤمنين أو المشتركين في عملية الانتخاب، فإن شعورهم بأن الله سبحانه وتعالى يرعى ويعين خليفتهم، يخلق في نفوسهم الاطمئنان والثقة بالخليفة ويزيد ذلك من تعلقهم به والاعتماد عليه لأنه مؤيد من الله تعالى ومحروس من قبله.

وبما أن الخليفة كما ذكرت يتم انتخابه بتوجيه من الله سبحانه وتعالى وحسب إرادته فهو يمارس منصبه مدى الحياة ولا يجوز لأحد أن يخلعه أو يعزله، وذلك لأن الخلافة من أسمى النعم الإلهية فلا يجوز أن ينشأ السؤال عن عزل الخليفة بأي شكل من الأشكال وليس من حق أحد من العباد إبطال وظيفة الخليفة، وكأنهم بذلك يلغون مشيئة الله تعالى في هذا الأمر الهام.

وقد رأينا كما ذكرت في البداية كيف أن الخليفة الراشد الثالث سيدنا عثمان بن عفان ضحّى بحياته في سبيل هذا المبدأ حين وقف في وجه الثائرين على خلافته ورفض أن ينصاع لطلبهم فكلفه ذلك حياته، وكذلك الأمر مع الخليفة الراشد الرابع سيدنا علي بن أبي طالب بعد أن بُويع بالخلافة ولم يقبل قرار التحكيم في الخلاف الذي شجر بينه وبين معاوية بن أبي سفيان فضاع منصب الخلافة الذي هو إمام المسلمين وأصبح فارغا من مضمونه الديني الذي قام على أساسه وأصبح مسمى الخليفة رديفا لمسمى “الملك” عند الأمم الأخرى.

وفي هذا الزمان فقد أكرم الله تعالى الأمة الإسلامية ببعثة الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كممثل للسلطة الروحية لسيدنا محمد المصطفى ليجمع هذه الأمة على الإيمان مرة أخرى. فأعاد لمّ شمل جماعة المؤمنين مرة أخرى على نفس المنهج الذي خطه سيده ونبيه حضرة المصطفى . وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام عادت الخلافة في الأرض من خلال “خليفة الله المهدي” الذي بشّر به سيده وسيدنا محمد ، وبذلك عادت الخلافة الراشدة مرة أخرى إلى الأمة الإسلامية وعلى منهاج النبوة. وتتّبع الجماعة الإسلامية الأحمدية التي أسسها حضرته نظاما محافظا على نعمة الخلافة وتعمل ليل نهار على صيانتها. ولا شك أن الحفاظ عليها لا يكون إلا بالالتزام بما أمر به الله تعالى من الإيمان والأعمال الصالحة.

يمكنكم أن تعزوا إليَّ ألف تهمة، ولكن هذه التهم لن تكون موجهة ضدي بل ضد الله سبحانه وتعالى الذي عينني خليفة، ولا يمكن لأحد أن يصبح خليفة ما دمت على قيد الحياة، ولكن بعد وفاتي سيعهد الله بالخلافة لرجل يختاره هو، ولن تستطيع قوة أرضية أن تمنع ذلك.

وكما تعرضت الخلافة الراشدة الأولى بعد النبي محمد وخاصة في زمن الخليفة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلى مشاكل وقلاقل وآلت إلى ما آلت إليه كما جاء ذكره. فقد حاول بعض المعارضين بعد وفاة سيدنا أحمد عليه الصلاة والسلام إلغاء منصب الخليفة، إلا أن الخليفة الأول لسيدنا أحمد عليه السلام مولانا نور الدين القرشي قاوم تلك المحاولة بكل عزم وإصرار وخاطب المعارضين بقوله : يمكنكم أن تعزوا إليَّ ألف تهمة، ولكن هذه التهم لن تكون موجهة ضدي بل ضد الله سبحانه وتعالى الذي عينني خليفة، ولا يمكن لأحد أن يصبح خليفة ما دمت على قيد الحياة، ولكن بعد وفاتي سيعهد الله بالخلافة لرجل يختاره هو، ولن تستطيع قوة أرضية أن تمنع ذلك (مجلة “بدر” تموز 1912).

وقد أكد هذه الحقيقة أيضا حضرة الخليفة الثاني للإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام – مولانا بشير الدين محمود أحمد (المصلح الموعود) حيث قال:

“من انتخب لمنصب الخليفة عليه أن يُكرس حياته كلها لترقية شعبه وإسعاد أمته، ولا تكون خلافته محدودة كرؤسـاء الجمـهوريات الغربية، بل تكون لمدى حياته ولا يمكن لأحد عزله عن منصبه سوى خالقه، وذلك عن طريق الوفاة “. (الأحمدية أي الإسلام الحقيقي).

وهكذا فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية تقدم لأمتها الإسلامية خلافة على منهاج النبوة بشكلها الأصيل الذي قامت عليه الخلافة الأولى. ويجب علينا نحن المسلمين الأحمديين أن نحرص كل الحرص على أن نكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات كي تستمر هذه النعمة فينا. وقد شهد تاريخ الجماعة بفضل الله سجلا حافلا من الانتصارات التي فرح بها المؤمنون خلف خلفاء الجماعة والذين تحققت فيهم أمارات الخلافة وها نحن نعيش اليوم تحت قيادة الخليفة الخامس لسيدنا أحمد عليه الصلاة والسلام – مولانا ميرزا مسرور أحمد – أيده الله تعالى بنصره العزيز. وندعو الله تعالى أن تستمر هذه السلسلة المباركة من الخلافة الإسلامية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بعد أن يحقق الإسلام هدفه المنشود كما قال سبحانه وتعالى:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ .

Share via
تابعونا على الفايس بوك