باقة من فضائل الصديق رضي الله عنه
  • ماذا ذكر المسيح الموعود من منلقب الصديق وفضائله؟

____

كان عارفا تامَّ المعرفة، حليم الخلق رحيم الفطرة، وكان يعيش في زيّ الانكسار والغربة، وكان كثير العفو والشفقة والرحمة، وكان يُعرف بنور الجبهة. وكان شديد التعلق بالمصطفى، والتصقت روحه بروح خير الورى، وغَشِيَه من النور ما غَشِىَ مقتداه محبوب المولى، واختفى تحت شعشعان نور الرسول وفيوضه العظمى. وكان ممتازًا من سائر الناس في فهم القرآن وفي محبة سيد الرسل وفخر نوع الإنسان. ولما تجلى له النشأة الأخروية والأسرار الإلهية، نفَض التعلقات الدنيوية، ونبَذ العُلق الجسمانية، وانصبغ بصبغ المحبوب، وترك كل مُراد للواحد المطلوب، وتجردت نفسه عن كدورات الجسد، وتلونت بلون الحق الأحد، وغابت في مرضاة ربّ العالمين. وإذا تمكن الحبُّ الصادق الإلهي من جميع عروق نفسه، وجذر قلبه وذرات وجوده، وظهرت أنواره في أفعاله وأقواله وقيامه وقعوده، سُمّي صدّيقًا وأُعطي علمًا غضا طريّا وعميقا، من حضرة خير الواهبين. فكان الصدق له ملكة مستقرة وعادة طبعية، وبدت فيه آثاره وأنواره في كل قول وفعل، وحركة وسكون، وحواس وأنفاس، وأُدخل في المنعمين عليهم من رب السماوات والأرضين. وإنه كان نُسخة إجمالية من كتاب النبوة، وكان إمام أرباب الفضل والفتوة، ومن بقية طين النبيين.

ولا تحسب قولنا هذا نوعًا من المبالغة ولا من قبيل المسامحة والتجوز، ولا من فور عين المحبة، بل هو الحقيقة التي ظهرت عليَّ من حضرة العزة. وكان مشربه التوكل على رب الأرباب، وقلة الالتفات إلى الأسباب، وكان كظلٍ لرسولنا وسيدنا في جميع الآداب، وكانت له مناسبة أزلية بحضرة خير البرية، ولذلك حصل له من الفيض في الساعة الواحدة ما لم يحصل للآخرين في الأزمنة المتطاولة والأقطار المتباعدة. واعلم أن الفيوض لا تتوجه إلى أحد إلا بالمناسبات، وكذلك جرت عادة الله في الكائنات، فالذي لم يُعطه القسّام ذرة مناسبة بالأولياء والأصفياء، فهذا الحرمان هو الذي يُعبَّر بالشقوة والشقاوة عند حضرة الكبرياء. والسعيد الأتم الأكمل هو الذي أحاط عادات الحبيب حتى ضاهاه في الألفاظ والكلمات والأساليب. والأشقياء لا يفهمون هذا الكمال كالأكمه الذي لا يرى الألوان والأشكال، ولا حظ للشقي إلا من تجليات العظموت والهيبة، فإن فطرته لا ترى آيات الرحمة، ولا تشم ريح الجذبات والمحبة، ولا تدري ما المصافاة والصلاح، والأنس والانشراح، فإنها ممتلئة بظلمات، فكيف تنـزل بها أنوار بركات؟ (سرّ الخلافة، فضائل أبي بكر)

Share via
تابعونا على الفايس بوك