النسوِية ليست حلا، المرأة ليست وحدها المظلومة

النسوِية ليست حلا، المرأة ليست وحدها المظلومة

سامح مصطفى

كاتب وشاعر
  • على سبيل التمهيد
  • الأواني المستطرقة تفسر سرا من أسرار تهميش المرأة
  • قوارير الفضة
  • ما حقيقة اتهام الإسلام بظلم المرأة؟!
  • النسوية ليست حلا

__

على سبيل التمهيد

في مقالات ذات صلة بموضوع المرأة، بأقلام نخبة من الكتاب، نُشرت فيما مضى على صفحات مجلة التقوى مقالات عُنيت بشأن إثبات كون الإسلام هو عصر المرأة

الذهبي، وأنها، أي المرأة، أخذت شيئا فشيئا تنال التقدير اللائق بها والذي تستحقه مع انبلاج فجر الإسلام في القرن السادس الميلادي. وفي هذه السطور نسعى للتمعن في الأسباب العميقة وراء الظلم الواقع على المرأة منذ عصور، ولماذا لم تتمكن من إماطة ذلك الظلم عن نفسها دفعة واحدة؟! وهل ظاهرة النسوية يمكن أن تكون ذات أثر إيجابي بهذا الشأن؟!

وعلى الرغم من أن المرأة بشكل عام أثبتت نجاحها تاريخيا بعرض نماذج مشرفة في التاريخ الإنساني تمثلت في نساء ملكن زمام الأمور وكُنَّ نموذجا يحتذي به الجميع، حتى من الرجال، إلا أن الساحة لا تعدم بين الفينة والفينة من يحاول عمدا أو بسوء فهم طمس تلك الحقيقة لغرض ما في نفسه، وهو غرض خبيث على أية حال كما سيتبين.

الأواني المستطرقة تفسر سرا من أسرار تهميش المرأة

كثير من الظواهر الاجتماعية السالبة والمدمرة، تنشأ عادة من اليأس الناجم بدوره عن الفاقة والحاجة وكبت الأمل، ثم يضاف إلى ذلك الظلم الاجتماعي واستئثار فئة محدودة من المجتمع بكل السلطة أو الثروة، على قلتها في البلدان الفقيرة. ولذلك فإن الفئات المهمشة أو التي تئن جراء الإقصاء وشظف العيش تضطر إلى نقل أنينها ذاته إلى فئات أخرى حولها، فتجد الفئة التي كانت مستقرة نفسها مضطرة إلى دفع شيء من فاتورة الظلم الواقع على فئة أخرى. وبنفس الكيفية عندما يعاني شخص ما ظلما بيِّنا بدرجة لا يعود بمقدوره تحمله، فإنه يميل تلقائيا إلى صب شيء من ذلك الظلم على من حوله، لا سيما أولئك الذين في دائرة قوامته. هذه الظاهرة وإن كانت اجتماعية إلا أنها تسير بالتوازي والظاهرة الفيزيائية المعروفة بـ «الأواني المستطرقة»، والتي توصف بأنها ارتفاع السوائل بنفس المنسوب في الأواني المتصلة مهما تفاوتت أحجامها.. التشبيه هنا على اعتبار منظومة الأواني تماثل المجتمع ككل، والأواني على اختلاف أحجامها هي أفراد المجتمع، والسائل المرتفع هو الظلم المنصب على فئة ما. وبناء على تلك الظاهرة الثابتة فإن كل ظلم اجتماعي يقع على المرأة في أي عصر سببه وقوع الرجل نفسه تحت وطأة ظلم اجتماعي ما، مما يدفعه إلى صب شيء من الظلم الواقع عليه على من هم في كنفه، من الزوجة والأولاد.. وفي المقابل لاقت المرأة في المجتمعات التي تولي الرجل كإنسان قيمة تقديرا خاصا، فمثلا، في مدينة إسبرطة اليونانية كان وضع المرأة الإسبرطية أفضل بكثير من أخواتها في سائر المدن اليونانية، حتى أفضل من المرأة الأثينية نفسها، على الرغم من أن المجتمع الإسبرطي لم يكن ذا اهتمام ملحوظ بأمور الفكر أو السفسطة. يُرجِع البعض سبب تفوق المرأة الإسبرطية إلى غياب الدور الأسري للرجال نظرا إلى انشغالهم بالحروب والقتال، ولكن هذا الرأي مردود عليه بشواهد مماثلة، ففي المجتمعات القبلية المنهمكة في التقاتل فيما بينها، كمجتمع قبائل شبه الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية، لم تلق المرأة تقديرا مماثلا على الرغم من غياب الدور الأسري للرجل، لانشغاله إما في التجارة أو الحرب. فمما سبق يثبت سريان القانون الفيزيائي المذكور بالتوازي في بعد اجتماعي أيضا، ووحدة القانون هذه مؤشر قوي على وحدة من استنه، الله عز وجل.

قوارير الفضة

يوما فيوما تتسع زاوية نظرنا إلى الوحي الإلهي بشكل عام والقرآني منه على وجه الخصوص، ما يتمخض عنه اقترابنا شيئا فشيئا من إدراك الغاية من خلقنا. خطر في بالي أن أقول هذه العبارة كنوع من الامتنان لله العليم الحكيم (جل وعلا شأنه) بعد تفكر في بعض آيات القرآن ذات الصلة بموضوع المرأة ومكانتها.. فحين تلاوة قوله تعالى:

وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (1)

بدأ الأمر بتساؤل عن سر كون أحد مظاهر نعيم الجنة «القوارير من فضة»، فلم الفضة تحديدا وليس الذهب؟! علما أن الذهب أقيم وأثمن! كما أن من آنية الجنة ما هو من الذهب أيضا! بداية ينبغي علينا الإقرار بمبدأ عام مفاده أن كل ما أنبأنا به الوحي القرآني من نعماء الآخرة إنما هو على سبيل التشبيه، وأن واقع ذلك النعيم أعلى من أن نتصوره، لذا فإن الله عز وجل بحكمته البالغة أخبرنا به بمفردات من قاموسنا اللغوي تقريبا للفهم، والتشابه بين صور النعيم الأخروية والدنيوية ليس في المادة والشكل، وإنما في الطبيعة والخواص.. وقبل الخوض في الحديث عن خواص الفضة التي منها قوارير أهل الجنة، لنتساءل أولا عن ماهية تلك القوارير، وذلك اللفظ في حد ذاته يستدعي إلى الأذهان قول سيدنا خاتم النبيين «ارْفُقْ بِالْقَوَارِيرِ»(2)، وقد أجمع شراح الحديث على أن إطلاق النبي لفظ «القوارير» هو على سبيل الاستعارة، ويراد منه «النساء».. وبالعودة إلى الخواص الفيزيائية للفضة، والتي جعلت منها أنسب مادة تكون منها قوارير الجنة، وُجد أن من أهم مراحل تعبئة المياه، مرحلة التنقية، وفي هذه المرحلة بالذات يبرز دور معدن الفضة نظرا إلى اتصاف معدن الفضة بخصائص مُضادة للميكروبات، وهذه الخصائص وضعت هذا العنصر في أيدي الأطباء، ووفقًا لموقع wounds international استُخدمت الفضة في منع حدوث التهابات الجروح لمئات السنين. (3)

لن نسهب في الحديث عن الخصائص الفيزيائية لمعدن الفضة، ما يُهمنا هو العثور على وجه الشبه الذي أومأ إليه القرآن في استعارته تعبير القوارير الفضية للإشارة إلى المرأة.. سرعان ما ستلوح لنا بارقة فهم إذا ما قمنا بجمع القرائن العلمية المذكورة مع ملاحظة أن المرأة كذلك تلعب دورا فعالا في تنقية المجتمع من الملوثات العقلية والروحية، كونها المدرسة الأولى لأولادها الذين يُنشؤون ليكونوا أعضاء مجتمع ناجح، وكما عبر عن هذه الفكرة شاعر النيل فقال:

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها

              أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ

الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا

             بِالرَيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ!

الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى

             شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ (4)

خلاصة ما قيل أن الحياة الفردوسية يوضع أساسها في هذا العالم، ولا تُتَوقع عيشة راضية للإنسانية ما لم يشارك شقا المجتمع فيها، أعني المرأة والرجل جنبا إلى جنب.

فكانت تعاليم القرآن وتطبيقها المتمثل في السنة المحمدية على نفس النسق في إكرام المرأة، بل وخطت شريعة الإسلام خطوة أوسع بأن عوِّضت المرأة وجعلها مثلا مضروبا للإنسانية ككل، مؤمنها وكافرها

ما حقيقة اتهام الإسلام بظلم المرأة؟!

ظلم المرأة تاريخيا حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها، وكما انصب الظلم على المرأة، وما زال، فقد انصب كذلك على من نادى بحقها عبر التاريخ، بحيث صرنا نرى ونسمع اتهامات وقحة يرمي بها المجرم من يدافع عن الضحية، وهو ما يعرفه علماء النفس بالاستبطان، وفحواه أن يتهم الشخص غيره بما هو فيه، فالكذاب مثلا طالما يتحدث عن كراهيته للكذب والكذابين، والفجار يتحدثون مليا عن الشرف ويذمون العهر، واللص يطيل الحديث عن عصاميته ويذم سائر اللصوص.. واتفق أن كان سيدنا خاتم النبيين ودينه القويم والقرآن العظيم دريئة لذلك الاستبطان البغيض، فعلى الرغم من الجهاد المحموم الذي بدأ مع نزول وحي القرآن في سبيل تحرير الفئات المستضعفة تاريخيا، ومنها المرأة، نال الإسلام الحظ الوافر من الاتهامات الباطلة بأنه حجر على حقوق النساء، وحرمهن من فرصتهن في التعلّم وحيازة الثروة، وحق اتخاذ القرار في الزواج والطلاق وما إلى ذلك من القائمة الطويلة من الاتهام بالباطل. وعلى الرغم من أن شريعة القرآن تعاملت بمبدأ القسط الواضح بين الرجل والمرأة، والقسط مطلب أرقى بكثير من مجرد المساواة المنادى بها مؤخرا، فعلى حين تُعرف المساواة بأنها تقديم نفس المزايا إلى كافة الأطراف، يأتي القسط ليعبر به عن منح كل طرف ما يحتاج إليه ليبقى ويؤدي وظيفته المثلى، وعلى الرغم من أن المرأة وفق تعاليم الكتاب المقدس من العديد من حقوقها الأصلية، وهل أدل على ذلك مما نقله العهد الجديد من قول بولس:

«لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضًا. وَلكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئًا، فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ.» (5).

لسنا بصدد نقد أي من المعتقدات في الوقت الراهن بقدر ما نهدف إلى بيان قيمة المرأة في نظر من يأخذ هكذا التعليم على محمل الجد، وننزه السيد المسيح من هذه الأمور. على أية حال قد جاءت شريعة القرآن وفي طياتها رد لكافة المظالم، فكانت تعاليم القرآن وتطبيقها المتمثل في السنة المحمدية على نفس النسق في إكرام المرأة، بل وخطت شريعة الإسلام خطوة أوسع بأن عوَّضت المرأة وجعلتها مثلا مضروبا للإنسانية ككل، مؤمنها وكافرها، قال تعالى:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (6)..

والحديث يطول عن الدين المستحق الذي استخلصه الإسلام للمرأة من آكليه، بحيث صار الإسلام وحضرة خاتم النبيين في حد ذاته موضع اتهام لمن أكلوا حقوق المرأة من قبل، حتى كانت تلك الاتهامات الباطلة مصداق قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (7)،

فأمر الشريعة القرآنية بالقسط فيما يتعلق بقضايا المرأة أدى إلى أن يُتهم المدافع عنها، ولسان حال المجرم الحقيقي يقول: المرأة ليست وحدها، فصديق عدوي عدوي أيضا.وعلى أية حال لم تعدم ساحة الفكر السليم وجود مفكرين ومستشرقين دافعوا عن حقيقة نصرة الإسلام لقضايا المرأة، ولماذا نذهب بعيدا؟! فتاريخ الحضارة الإنسانية يحتفظ بنماذج عديدة لنساء عشن في بيئات مسلمة وأنتجن إنجازات لا تزال مثار إعجاب العالم إلى اليوم، فهناك على سبيل المثال لا الحصر نماذج مشرفة مثل: فاطمة الفهرية، مؤسسة أول جامعة في العالم (جامعة القرويين) ومريم الأسطرلابية، والخاتون فاطمة ست الشام راعية العلم وبانية المدارس، وفي مجال الأدب والفنون حدث ولا حرج!

النسوية ليست حلا

النسوية Feminism هي خليط من النظريات الاجتماعية والأخلاقية، وكذلك الحركات السياسية، التي تحركها دوافع متعلقة بقضايا المرأة. ويُجمع دعاة النسوية على أن غايتهم هي القضاء على كافة مظاهر الظلم الاجتماعي القائم على أساس النوع، لتتاح الفرصة لكافة أفراد المجتمع نساءً ورجالا في الترقي. ومعظم النسويين مهتمون بشكل خاص بقضايا عدم المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين النساء والرجال. ويختلف النسويون حول السبب في انعدام المساواة، لذا لا توجد صيغة عالمية موحدة للنسوية يتفق عليها كافة دعاتها. ونشاطات النسوية السياسية تكون غالبا حملات في قضايا مثل الحقوق الإنجابية التي تتضمن الحق في اختيار إجهاض آمن وقانوني، ووسائل منع الحمل، ونوعية الرعاية الصحية المتوفرة للأمهات، كذلك تشمل قضايا النسوية مكافحة العنف في العلاقات الأسرية، وإسقاط الحمل، وقضايا التحرش، والاغتصاب، والتمييز، وعدم المساواة في الأجور بين الجنسين.

النسوية إذًا هي رد فعل على الظلم الذي قاسته المرأة متراكما عبر عصور، ولكن أترى رد الفعل هذا موفقا؟! إذا ما استرجعنا سويا ما طُرِحَ آنفا من حديث عن نظرية الأواني المستطرقة وبعدها الاجتماعي، فإن ظاهرة النسوية لن تكون سوى حل مؤقت مع آثار جانبية سلبية، ولن يرتفع الظلم عن كاهل المرأة إلا بالتوازي مع رفعه عن كاهل الرجل أيضا.

الهوامش:
1. (الإِنْسان: 16-17)
2. مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين
3 – مقال بعنوان «معلومات وحقائق عن عنصر الفضة»، من صفحة «أنا أصدق العلم» على شبكة الإنترنت https://ibelieveinsci.com/?p=63267
4. ديوان شاعر النيل «حافظ إبراهيم»
5. (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ 14 : 34-35)
6. (التحريم: 11-13)
7. (آل عمران: 22-23)
Share via
تابعونا على الفايس بوك