الاستدلال القرآني على براءة السيدة مريم
  • كيف حملت مريم؟
  • هل تكرر نموذج حملها فيما سبق أو لحق؟
  • ما هي عقيدتنا كمسلمين أحمديين تحديدا بهذا الصدد؟

____

فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (مريم 23)

 التفسير:

كيف حملت مريم؟! هذا سرٌّ إلهيٌّ أسمى من القانون الطبيعي، أو إذا كان ضمن القوانين الطبيعية فإنه لا يزال حتى الآن سرًّا مكنونًا بالنسبة للإنسان. وهناك الكثير من أسرار القوانين الطبيعية التي لم يتمكن الإنسان بعد من الاطلاع عليها. خذوا القنبلة الذرية مثلاً، فلم يكن للإنسان أي علم بها، ولكن الإنسان اكتشفها الآن؟ وبالمثل هناك أسرار كثيرة في خلق الله تعالى التي لم يكتشفها الإنسان بعد، ومنها الولادة من غير أب. إن الله الذي خلَق كل الكون بقوله كُنْ لقادر على أن يحدث في الأنثى تغييرات غير مسبوقة. غير أننا نجد في التاريخ أيضًا شهادات تؤكد ولادة أولاد آخرين من غير أب. ومثاله جدّة أسرة «منجو» التي حكمت الصين ودُمّرتْ في حوالي السنة السادسة أو السابعة الميلادية. يخبرنا التاريخ أن هذه الجدة حملت من دون زواج. فأثار الناس ضجة كبيرة، ولكن هذه السيدة، وكانت بنتًا لراعٍ، أخبرتهم أن لا ذنب لها في ذلك، بل إن ملاكًا ظهر لها وهي ترعى الغنم، وقال لها: ها أنا ألقي عليك نور الله تعالى، وستلدين ولدًا سيكون ابنُه ملِكًا على بلاد الصين كلها. فصرتُ حاملاً بعد ذلك، فما ذنبي في ذلك؟ فقال القوم إن هذه تخبرنا بخبر المستقبل. فلننتظر ونرى ماذا يحدث. فولدتْ بعد تسعة أشهر ابنًا. فقالوا: ها قد تحقق الشطر الأول من خبرها، ولننتظر باقي الخبر أيضًا. فشبّ ابنها وتزوج في سن الثامنة عشرة أو العشرين. ثم لم تمض فترة طويلة حتى رُزق هو الآخر ابنًا. ولما بلغ هذا الابن الخامسة أو السادسة عشرة من عمره عمّت الفوضى في البلاد. وكان هذا الشاب فتى شجاعًا، فجمع حوله لفيفًا من الشباب، وشن الهجوم على القرى المجاورة واستولى عليها. فشجعه هذا النصر إلى المزيد من الإقدام، فتقدم وأخذ يحرز الانتصار تلو الانتصار حتى صار ملكًا على الصين كلها. فأكدت هذه الأحداث صدق قول هذه السيدة بأن الله تعالى هو الذي أخبرها بهذا الخبر.

كما ورد عن جنكيز خان أن الأمر نفسه وقع مع أمه. علمًا أن للأتراك فرعين: أحدهما البرلاس الذي أُسرتُنا منه، والفرع الآخر الذي كان منه جنكيز خان وباتو خان وجتلائي خان وغيرهم من المشاهير. فلما مات أبو جنكيز وصارت أمه أرملة، رضي بها القوم ملِكةً على البلاد بحسب عادتهم. وبعد فترة من الزمن دعت الملكة حاشيتها في البلاط وأخبرتهم أنها قد صارت حاملاً. فثاروا عليها وهددوها بالقتل. فقالت: لا ذنب لي في ذلك. لقد رأيت في المنام أن نورًا من الله تعالى قد أتاني ودخل في كياني، وأُخبرتُ أني سألد ابنًا سيكون ملكًا على العالم. فلما استيقظتُ كنت حاملاً. فهدأ القوم بقولها وقرروا الانتظار إلى أن يتحقق هذا الخبر. فولدتْ جنكيز خان الذي صار ملكًا على العالم، ونشر الدمار في كل مكان.

وقد وردت في الموسوعة البريطانية أحداث مماثلة كثيرة. والغريب في الأمر أن أمهات كل هؤلاء المواليد الذين وُلدوا هذه الولادة العجيبة قد رأين الرؤى قبل ولادتهم (موسوعة الأديان مجلد 12: Virgin Birth). لذا فلا يمكننا أن نتهمهن بالفاحشة أو الكذب. إذًا فلا غرابة في ولادة المسيح من غير أب، إذ نجد في التاريخ ذكر ولادات عديدة مماثلة لولادته.

أما قوله تعالى فحملتْه فالمراد من الحمل هنا الحمل الذي تم نتيجة هذه الرؤيا. وهذا ما قال به سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام. فقد قال في كتابه «مواهب الرحمن» بكل وضوح وجلاء إن من عقائدنا أن المسيح قد وُلد من غير أب (مواهب الرحمن ص 295). وكان حضرته يصرّح أنه ليس أمامنا إلا خياران اثنان: فإما أن نسلّم بأن المسيح قد وُلد بأمر الله تعالى، وإما أن نقول أنه وُلد ولادة غير شرعية.

فعيسى قد وُلد من غير أب بحسب عقيدة المسيح الموعود ، وهذا ما نعتقد به نحن أيضًا. ولقد ركزتُ هنا على هذا الأمر خاصة لأن المولوي محمد علي، أمير غير المبايعين*، قد كتب أن المسيح بن مريم قد وُلد من نطفة أبيه يوسف (بيان القرآن مجلد 2 ص 855 تحت قوله تعالى فحملتْه فانتبذتْ به مكانًا قصيًّا[، وحقيقة المسيح ص 8). مع أنني قد بيّنتُ من قبل أن يوسف لم يمس مريم إلا بعد ولادة المسيح بحسب الإنجيل أيضًا.

أما قوله تعالى فانتبذتْ به مكانًا قصيًّا فيدل على أن مريم اضطرت خلال حملها للذهاب إلى مكان بعيد. وحين نفحص الإنجيل بهذا الصدد نجد فيه تفصيل هذا الحادث إلى حد ما، ولا بد لنا من التسليم بهذا التفصيل طالما لا نجد ما يدل على بطلانه. فقد ورد في الإنجيل:

«وفي تلك الأيام صدر أمرٌ مِن أوغسطسَ قيصرَ بأن يُكتَتب كلُّ المسكونة. وهذا الاكتتابُ الأولُ جرى إذ كان كيرينيوسُ واليَ سوريةَ. فذهب الجميع ليُكتَتبوا.. كلُّ واحد إلى مدينته. فصعِد يوسفُ أيضًا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته ليُكتتب مع مريمَ امرأتِه المخطوبة وهي حُبلى» (لوقا 2: 1-5).

فثبت من هذه الفقرة الإنجيلية أن مريم أيضًا ذهبت مع يوسف إلى بيت لحم للإحصاء. ولكن يقول الإنجيل بعد ذلك إن الناس جاءوا بكثرة للإحصاء فلم يجدَا مكانًا للمبيت في السراي، فباتا في الخارج، وهنالك بدأت مريم تشعر آلام المخاض، فوضعت الوليد (المرجع السابق: 7).

واعلم أن بيت لحم تقع جنوبيَّ أورشليم على بُعد خمسة أميال، وأرضها خصبة جدًّا (تاريخ بائبل (بالأردية) ص 484). وهي تقع في جنوب الناصرة أيضًا بمسافة سبعين ميلا تقريبًا. فقوله تعالى فانتبذتْ به مكانًا قصيًّا إشارة إلى سفر مريم هذا المذكور في الإنجيل، والذي قامت به من الناصرة إلى بيت لحم.

وقد وردت في الموسوعة البريطانية أحداث مماثلة كثيرة. والغريب في الأمر أن أمهات كل هؤلاء المواليد الذين وُلدوا هذه الولادة العجيبة قد رأين الرؤى قبل ولادتهم (موسوعة الأديان مجلد 12: Virgin Birth). لذا فلا يمكننا أن نتهمهن بالفاحشة أو الكذب. إذًا فلا غرابة في ولادة المسيح من غير أب، إذ نجد في التاريخ ذكر ولادات عديدة مماثلة لولادته.

فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيّا (مريم 24)

 شرح الكلمات:

المخاض: أي الطلق وهو وجع الولادة (التاج). ومخَضت الحامل ومُخضت مخاضًا: دنا ولادُها وضرَبها الطَلْقُ فهي ماخضٌ (الأقرب). وأكبر علامة على اقتراب موعد الولادة هذه الآلام.

جِذْع: الجذع: يُطلق على ساق النخلة، وأيضًا على فرع كبير لها.

التفسير:

إن لجوء مريم إلى النخلة دليل على أنها لم تكن في بيتها. وقد سبق أن بيّنتُ أن مريم وزوجها لم يجدا المكان في النـزل بحسب الإنجيل، فاضطرا للمبيت في العراء، ويبدو أنها وجدت هناك نخلةً فذهبت إليها.

يقول المفسرون عندنا أنها ذهبت إلى النخلة لتستند إليها تخفيفًا لآلامها (مجمع البيان). ولكنهم قد اخترعوا عذر الاستناد خوفًا من الروايات المسيحية كما سأبين لاحقًا. فما دامت كل الأشجار تهيئ الظل والسند أيضًا في وقت واحد، فلماذا، يا ترى، قالوا إنها ذهبت إلى جذع النخلة لتستند إليها؟ إن سببه في الواقع هو أن فكرة الانسجام مع الروايات المسيحية كانت غالبة على أذهانهم. لا شك أن الإنسان يكون بحاجة إلى السند أيضًا وقت الآلام، فالنسوة ذوات الخبرة يضعن أيديهن في يد المرأة عند الولادة وينصحنها أن تضغط على أيديهن بكل قوة، وعندما تفعل ذلك تجد بعض الراحة من آلامها، كما تسهل الولادة أيضًا. فلا غرو أن المرأة تحتاج إلى شيء تستند إليه وقت الآلام، غير أني أرى أن السبب الذي ذكره المفسرون هنا ليس صحيحًا.

أما قوله تعالى قالت يا ليتني مِتُّ قبل هذا وكنتُ نسيًا منسيًّا فقال البعض أنها قالت ذلك خوفًا من طعن الناس لأن الولد كان من غير أب (تفسير ابن كثير). ولكني أرى أن هذا غلط، فإن أهل الخبرة يعرفون أن المرأة عند ولادة مولودها الأول تعاني على الدوام آلامًا شديدة حتى تقول مِن تلقائها يا ليتني مِتُّ قبل هذا. لقد لاحظتُ هذا الأمر في بيتي مع زوجاتي وبناتي أيضًا. مما لا شك فيه أن ولادة مولود عند عذراء أمر غير عادي، ولكن هكذا تقول النساء دائمًا عندما يقاسين آلامًا شديدة عند وضعهن لمولودهن البِكر. فلا غرابة في ذلك أبدًا. غير أني أرى أن هذه الآية تنطوي على تفنيد خفيّ للرواية الواردة في كتب الحديث بأن كل مولود يمسه الشيطان عند ولادته فيصرخ، ولكن المسيح لم يمسه الشيطان عند ولادته (البخاري: كتاب التفسير، باب «منه آيات محكمات»). الحق أن المولود يصرخ عند الولادة لكون المخرج ضيقًا جدًّا، فيخرج من رحم أمه وهو يعاني آلامًا شديدة. أما الأم فهي الأخرى تصرخ لأن عظامها تتكسر آنذاك. فالله تعالى قد أشار بذكر آلام مريم إلى أن المسيح أيضًا لا بد أن يكون قد ذاق آلامًا شديدة، ولا بد أن يكون قد أطلق صرخات عالية. (يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك