ترسخ عظمة الله في القلب
  • كيف يورث القرآن الكريم من يتلوه حق تلاوته ذلك اليقين بوجود الله تعالى وعظمته في القلب؟

____

لا يصعب على العاقل والعادل أن يفهم أن واجب الكتاب الإلهي هو أن يوصل الإنسان إلى الله تعالى ويبلغه مرتبة اليقين بوجود الله تعالى ويرسخ عظمته وهيبته في القلوب ويحول دون ارتكاب الذنوب. وإلا ماذا نفعل بكتاب لا يقدر على إزالة الأوساخ من القلب ولا يهب معرفة مقدسة وكاملة تنفِّر من الذنب. اعلموا أن جذام الرغبة في الذنب جذام خطير جدا ولا يزول بأية طريقة ما لم تنـزل تجليات معرفة الله الحية وآيات هيبته وعظمته وقدرته كالمطر الغزير، وما لم ير الإنسانُ الله تعالى قريبا مع قواه المهيبة كشاة ترى الأسد على بُعد قدمين منها. الإنسان بحاجة إلى أن يتخلص من جذبات الذنب المهلكة وأن تترسخ في قلبه عظمة الله حتى يبتعد عن الرغبة في الأهواء النفسانية القاهرة التي تسقط عليه كالبرق وتحرق ثروة تقواه في لمح البصر. ولكن هل يمكن أن تزول العواطف النجسة- التي تصول مرة بعد أخرى مثل مرض الصرع وتقضي على الصواب والعقل الناجم عن التقوى- بتصور الإله الذي ينحته المرء بنفسه؟ أو هل يمكن كبتُها بأفكار المرء الشخصية، أو هل يمكن أن تتوقف نتيجة كفارةٍ لم يمس ألـمُها نفسَه؟ كلا، ثم كلا…

من الواضح أنه لا يسع الإنسان أن يتخلى عن الملذات اليقينية بناء على الأفكار الظنية، غير أنه يمكن لأمرٍ يقيني أن يجعل المرء يتخلى عن أمر يقيني آخر. فمثلا إذا كنا موقنين بأننا نستطيع أن نصطاد في فلاة غزلانا كثيرة بكل سهولة  نستعد لذلك فورا بناء على ذلك اليقين، ولكن عندما نتوصل إلى يقين آخر أن في الفلاة نفسها خمسين أسدا وآلاف الأفاعي أيضا فاغرة أفواهها لتلتهمنا فلسوف نتراجع عن إرادتنا السابقة. كذلك لا يمكن الخلاص من الذنب دون هذه الدرجة من اليقين. إن الحديد بالحديد يُفلح. فلا بد من اليقين بعظمة الله وهيبته إلى درجة أنْ يمزّق حُجُب الغفلة ويهز الأوصالَ ويُري الموت قريبا ويجعل خوفا يسيطر على القلب تتمزق به لحمة القلب وسداه وأن يُجذَب الإنسان إلى الله تعالى بيد غيبية ويمتلئ قلبه يقينا بأن الله تعالى موجود فعلا ولا يترك مجرما خليع الرسن دون عقاب. فماذا يفعل الباحث عن الطهارة الحقيقية بكتاب لا يحقق هذه البُغية؟

(كتاب ينبوع المعرفة، الخزائن الروحانية ج 23، ص ٢٨٦-٢٨٧)

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك